من الحرب إلى التتويج .. هكذا حصدت كولومبيا لقبها الوحيد في كوبا أميركا

إذا ذكر لفظ كرة القدم في أمريكا الجنوبية فلن يذكر معه سوى العنف، وفي حال قيامك بالبحث عن مختلف لقاءات الديربي حول العالم على سبيل المثال في الساحرة المستديرة لن تجد أعنف من ديربيات أمريكا الجنوبية والأمثلة لا تنتهي، فهنالك بينارول وناسيونال مونتفينيو في أوروجواي، وهنالك فلامينجو وفلومينينزي، وبالميراس وكورينثيانز في البرازيل، وبالطبع من منا لا يعرف ديربي بيونس أيريس بين بوكا جونيورز وريفر بلايت..جميع تلك اللقاءات أجتمعت على صفة واحدة وهي العنف بمختلف أنواعه سواء داخل الملعب بين لاعبي الفريقين أو المشادات بين الجماهير، وهذا تمامًا ما حدث في كولومبيا لكن على صعيد آخر تحديدًا قبل استضافتها لبطولة كوبا أميركا (كأس أمريكا الجنوبية سابقًا) عام 2001 وفوزها باللقب الوحيد في تاريخها.

النزاع الكولومبي..

منذ  أواخر الخمسينيات وقبل إنطلاقة البطولة عانت كولومبيا من آثار الحرب الأهلية، وذلك بسبب ما يعرف بالنزاع الكولومبي الذي حدث بين القوات الثورية المسحلة المدعومة بتجار المخدرات وجيش التحرير الكولومبي أمام الحكومة الكولومبية المعادية للشيوعية، عنف أودى بحياة وفاة 40000 شخص في التسعينيات فقط وتضمن بعض الشخصيات الهامة وعلى رأسهم اللاعب أندرياس إسكوبار الذي دفع ثمن تسجيله هدف في مرماه أمام أمريكا بكأس العالم غاليًا وراح ضحية للمراهنات بين العصابات في كولومبيا بعدما كان في طريقه للانضمام إلى إي سي ميلان بعد نهاية العرس العالمي.

صورة لجماعة فارك في عام 2016

ووسط تلك الأجواء التي عاشتها كولومبيا أعلن اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم ”كونميبول” منح شرف تنظيم كأس أمريكا الجنوبية لكولومبيا وسط الكثير من الاستياء لدى المنتخبات التي ستلعب المسابقة، هذا الاستياء لم تنخفض وتيرته بل إزداد حدة أكثر فأكثر بعد إختطاف هيرنان ميجيا كامبوزانو، نائب رئيس الاتحاد الكولومبي لكرة القدم من قبل جماعة فارك، وهي أكبر جماعة متمردة ماركسية في كولومبيا، ونتيجة لتلك الحادثة أقترح بعض أعضاء الكونمبيول البرازيل وفنزويلا ليتولوا تنظيم المسابقة بدلًا من كولومبيا، لكن في نهاية المطاف أكد الكونمبيول على أن كولومبيا هي من ستنظم البطولة، وهذا الأمر كان بمثابة الانتصار للشعب الكولومبي ورئيسه أندريس باسترانا الذي وضع تنظيم تلك البطولة كأولوية سياسية من خلال وصفه لها بكأس السلام.

الانسحاب المفاجئ..

توابع اختيار كولومبيا تنظيم كأس أمريكا الجنوبية لم تكن جيدة على الإطلاق، حيث أبدى الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم غضبه الشديد عن إختيار كولومبيا كبلد منظمة للبطولة، وزعموا أن لاعبيهم تلقوا تهديدات بالقتل من بعض المنظمات الإرهابية، و في النهاية وبتاريخ الثاني من تموز يوليو عام 2001  وقبل بداية المسابقة بتسعة أيام فقط أعلنت الأرجنتين انسحابها من كأس أمريكا الجنوبية وهو نفس تاريخ مقتل إسكوبار قبل سبع سنوات.

هذا الانسحاب جعل البطولة عرضة للإلغاء وما زاد الطين بلة بعد انسحاب الأرجنتين، هو إعلان الاتحاد الكندي أيضًا عن عودة لاعبيه إلى أنديتهم ومغادرتهم معسكر المنتخب، وبالتالي لن تلعب البطولة دون تواجد منتخبين بديلين، فقدمت الدعوة لكوستاريكا وهندوراس في وقت متأخر قبل إنطلاق المسابقة وقبلت الدولتان الدعوة، حيث كانت هندوراس هي آخر المنتخبات الواصلة إلى كولومبيا وذلك قبل ساعات قليلة من مواجهاتهم الأولى في المجموعة الثالثة أمام كوستاريكا، لتنطلق أخيرًا بطولة كأس أمريكا الجنوبية بعد الكثير من الجدل.

رجل المعجزات..

دخل منتخب كولومبيا لخوض البطولة وهو يمر بالعديد من  التخبطات، حيث باتت فرصة أبناء بابلو إسكوبار في التأهل لكأس العالم صعبة المنال في ظل احتلالهم المركز السادس قبل خمس جولات على نهاية التصفيات، في حين خرج الفريق من نسخة كأس أمريكا الجنوبية عام 1999 في ربع النهائي أمام تشيلي، وفي وسط هذه النتائج لم يجد الاتحاد الكولومبي رجلًا أفضل من فرانشيسكو ماتورانا لتولي تدريب المنتخب، وهل يخفى القمر! فإذا ذكرت إنجازات كولومبيا على صعيد كرة القدم سيذكر بجابنها ماتورانا أو باتشو كما يلقب..

باتشو في كأس أمريكا الجنوبية عام 2001

باتشو الذي لم يعرف الفشل في مسيرته كمدرب، تولى تدريب منتخب كولومبيا للمرة الثالثة في تاريخه  بعد مرتين سابقتين صنع بهما التاريخ، فالمرة الأولى تعود إلى عام 1987 عندما قاد كولومبيا إلى تحقيق ثاني أفضل إنجاز في تاريخها بكأس أمريكا الجنوبية، فبعد إحتلال كولومبيا لمركز الوصافة في عام 1975 بعد خسارة النهائي أمام بيرو، قاد باتشو الفريق لإحراز المركز الثالث على حساب البلد المستضيفة الأرجنتين، أما الإنجاز الثاني فهو تأهيل كولومبيا إلى نهائيات كأس العالم عام 1990 لأول مرة منذ 28 عامًا، وها هو الآن رجل المعجزات كما يلقب يعود على رأس الإدارة الفنية للمنتخب من أجل تحقيق اللقب المستعصي على الكرة الكولومبية.

أهلا بك في منتخب ليس به خاميس رودريجيز ولا فالكاو..

أختار باتشو منتخبًا أغلب عناصره من العناصر الشابة ولم يتضمن سوى خمسة لاعبين محترفين فقط خارج كولومبيا ولاعب واحد فقط في الدوريات الأوروبية وهو القائد إيفان كوردوبا الذي أصر على حمل رقم 2 تكريمًا لإسكوبار، كان هناك أيضًا ماريو ييبس الذي كان يلعب مع ريفر بليت، وحارس المرمى أوسكار قرطبة الذي كان ينشط في بوكا جونيورز، والمهاجم خاريو كاستيلو مع فيليز سارسفيلد، وهو نادي أرجنتيني أيضًا، بالإضافة إلى ليوناردو مورينو، مهاجم نادي كلوب أميركا المكسيكسي.

وبصرف النظر عن هذا الخماسي فإن باقي اللاعبين لم يتمكنوا من المشاركة في أي بطولة في الدوريات الكبرى سواء في أوروبا أو أمريكا الجنوبية، ومع ذلك شكل هؤلاء اللاعبين فريقًا رائعًا مثل أي فريق متميز تراه، والكثير منهم أيضًا لم يشاركووا في كأس العالم من قبل، لأن كولومبيا لم تتأهل للمونديال الأخر في فرنسا عام 1998 ولكن مع  رجل المعجزات في كولومبيا، فإن الفريق سوف يتحول، وأوقعت قرعة المسابقة كولومبيا مع كل من تشيلي وفنزويلا وإكوادور التي خاضت تلك النسخة من المسابقة منتشية بتأهلها لأول مرة في تاريخها إلى نهائيات كأس العالم.

حققت كولومبيا الفوز في جميع المباريات في مرحلة المجموعات دون أن تتلقى أية أهداف وببروز لفيكتور أريستيزابال، مهاجم أتلتيكو ناسيونال..فصاحب القامة القصيرة الذي كان يمتلك سرعة هائلة وقدم يمنى قاتلة، تمكن من التسجيل في جميع اللقاءات في الدور الأول، لتبلغ كولومبيا ربع النهائي وتواجه بيرو وتنتصر عليها بثلاثية نظيفة سجل منهم المتألق أريستيزابال هدفين معطيًا كولومبيا صعودًا هادئًا إلى نصف النهائى.

انتظرت كولومبيا مواجهة البرازيل في نصف النهائي، لكن الهندوراس حققت إحدى أكبر المفاجئات في تاريخ المسابقة بإقصائها لحاملة لقب كأس أمريكا الجنوبية في آخر نسختين في لقاء مثير شهد حالتي طرد لإيمرسون فيريرا قائد البرازيل ومدافع الهندوراس دافيد كاركامو، لتلتقي كولومبيا مع الهندوراس في قبل النهائي وتفوز عليها بهدفين لأريستيزابال وجيراردو بيدويا لتبلغ كولومبيا بذلك النهائي لثاني مرة في تاريخها لتواجه المكسيك.

فيكتور أريستيزابال

لعبت المباراة النهائية في استاد إل كامبين في مدينة بوغوتا، عاصمة كولومبيا وسط حضور 47 ألف متفرج تجمعوا لمساندة كولومبيا، كانت المهمة ليست بالسهلة لرجال باتشو خاصًة أمام خصم مثل المكسيك تمكن من الفوز على البرازيل وأوروجواي، بالإضافة إلى إمتلاكها هداف بحجم خاريد بورغيتي، وعلى عكس المتوقع لم تكن تلك المباراة كما يتوقعها الجميع حيث لم تتاح العديد من الفرص للمنتخبين وإتخذت الطابع البدني بشكل أكبر وإرتكب لاعبي الفريقين الكثير من الأخطاء.

إنتظر الجميع الهدف الأول في المباراة، هدفًا لم يأتي من بورغيتي أو أريستيزابال، بل من مدافع وبالتحديد من القائد كوردوبا في الدقيقة 65، بعدما استغل ركلة حرة نفذها إيفان لوبيز ليضعها برأسه في شباك حارس المكسيك، أوسكار بيريز..تلك النتيجة استمرت حتى النهاية ليعلن الحكم نهاية المباراة مطلقًا بذلك العنان للشعب الكولومبي للفرح بتتويج منتخب بلاده بلقب كأس أمريكا الجنوبية لأول مرة في تاريخه، ويدخل بذلك باتشو التاريخ من جديد ويصنع المجعزات مع كولومبيا مرة أخرى، معجزة استمرت للعام ال18 على التوالي دون أن يتمكن منتخب كولومبيا من تكرار ذلك الإنجاز، في إنتظار باتشو جديد يصنع التاريخ مرة أخرى مع اللوس كافيتيروس.