“من رحم المعاناة يولد الأمل” حكمة دائمًا ما كنا نسمع بها، حتى جاء المنتخب الدنماركي وارتبطت إنجازاته الدولية بها على مدار التاريخ بشكل لن يُنسى إطلاقًا.
ونجح المنتخب الدنماركي في تحقيق إنجاز كبير ببلوغ الدور نصف النهائي في يورو 2020 لمواجهة منتخب إنجلترا، بعد بداية أشبه بالكابوس سواء فيما يخص كرة القدم أو خارجها.
بداية قصتنا ستكون من بطولة كأس أمم أوروبا عام 1992، والتي فشل المنتخب الدنماركي في التأهل لها من التصفيات، لكن القدر قال كلمته وأرسل به للمشاركة في البطولة بعدما تم منع منتخب يوغوسلافيا من المشاركة بسبب جرائم الحرب المرتكبة سياسيًا في حق سكان البوسنة.
في البداية المنتخب الدنماركي رفض الدعوة لعدم استعداده للمشاركة، لكن بعد ذلك اتخذ قرار بالمشاركة حتى ولو شرفيًا في البطولة، والتوقعات كانت أن الدنمارك ذاهبة إلى البطولة لتخسر الـ3 مباريات وتعود سريعًا.
الدنمارك بدأت البطولة بتعادل وهزيمة أمام إنجلترا والسويد على التوالي، ومباراة ثالثة منتظرة أمام المرشح الأول للبطولة فرنسا والجميع ينتظر هزيمة ساحقة للدنمارك، وهنا بدأت الدراما.
مكالمة هاتفية من زوجة نجم الدنمارك الأول كيم فيلفورت تخبره بأن ابنته “المريضة بسرطان الدم” قد ساءت حالتها بشكل ملحوظ، ليقرر مباشرة العودة إلى الدنمارك وترك البطولة ويعيش باقي عناصر المنتخب في حالة من الترقب لأبنة زميلهم ونجمهم الأول، لكن هنا أُخذ الوعد أن تكون هذه البطولة من أجله.
الدنمارك تفجر أولى المفاجآت في البطولة وتطيح بفرنسا وتنتصر على بلاتيني ورفاقه وتتأهل إلى الدور التالي، وهنا تزداد الأمور درامية حيث ترك فيلفورت ابنته في الدنمارك وعاد لصفوف منتخب الدنمارك ليكمل البطولة، ليزداد الشحن العاطفي والمعنوي ويقطع اللاعبون وعدًا بأن البطولة ستكون من أجلها.
“من أجل ابنة فيلفورت” كان شعار منتخب الدنمارك الذي نجح من خلاله في مواصلة الحلم المستحيل والانتصار على هولندا في نصف النهائي قبل أن تواجه ألمانيا عند خط النهاية، ولأن الأحلام خُلقت لتتحقق نجح أصدقاء فيلفورت في تحقيق وعدهم وتحقيق أمم أوروبا بهدفين دون رد ورفع كأس البطولة في إنجاز تاريخي غير مسبوق.
وبعد 29 عامًا من الإنجاز الأول، دخل منتخب الدنمارك بطولة يورو 2021 وهو غير مرشح لأي شئ، لكنه كسب التعاطف منذ شوطه الأول في البطولة بعد سقوط مفجع لنجمه الأول إيريكسن وكان على وشك الموت لولا لطف الله، لتتحول مسيرة الدنمارك تمامًا في البطولة.
خسارتان في بداية المشوار جعلا المنتخب الدنماركي قاب قوسين أو أدنى من مغادرة اليورو مبكرًا، ولكن تحت شعار “من أجل إيريكسن” حول المنتخب الدنماركي الكابوس إلى حلم جميل.
انتصار هام على حساب روسيا في الجولة الأخيرة تصعد أصدقاء إيريكسن نحو دور الـ16، لتستمر الرحلة نحو المجد بالفوز على ويلز ثم التشيك، لتجد الدنمارك نفسها في دور نصف النهائي في إنجاز جديد في المحافل الأوروبية، وتكرر سيناريو بطولة 1992 ولكننا مازلنا لا نعلم كيف ستكون النهاية!
من “من أجل ابنة فيلفورت” إلى “من أجل إيريكسن” تبقى حقيقة واضحة كالشمس وتاريخ يُكتب ولن يُنسى، بأن الدنمارك تعشق تحويل المعاناة إلى انتصارات خالدة وتاريخ ذهبي.